التنوّع في السّنّة في جانب العبادات: وجوهه وتطبيقاته
الخلاصة
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله وآله وصحبه.
أمّا بعد: فإنّ ما نعيشه اليوم في مجتمعاتنا المسلمة من فُرقة واختلافٍ واعتدادِ كلِّ ذي رأيٍ برأيه- لا شكَّ أنَّ مردَّه إلى ضآلة الفهم لديننا الحنيف، فقد تقرّر في كثير من آيات القرآن العزيز -الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- أنّ الاختلاف سنّةٌ كونيّة، وظاهرة مجتمعيّةٌ سليمة، واستبعد القرآن أن يكون النّاس أمَّةً واحدة ينتظمهم اتّفاق ورأيٌ، وإنّما هم مختلفون.
وإذا كان القرآن الكريم قد وصف أمّة المسلمين أنّها واحدة: ﴿وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾- فهذا يعني أنّها واحدة في عقيدتها، ولكنّه لا ينفى عناصر التّميُّز والاختلاف والتّنوُّع بين شعوب وفصائل هذه الأمّة، داخل الإطار الفسيح للعقيدة الواحدة. وأنّ النّظرة الإسلامية إلى التّعدُّديّة هي التّنوُّع في إطار الوحدة الإسلاميّة.
ولمراعاة الاختلاف مظاهر في الشّريعة الإسلاميّة، منها-مثلاً- ما ورد في عدد تكبيرات الجنازة، وعدد تكبيرات صلاة العيدين، والبسملة في الصّلاة، والجهر بها، وقراءة المأموم خلف إمامه، وقضاء صيام التّطوع، وأمورٍ كثيرة في الحجّ، وغيرها مما ورد في السّنّة بوجوه مختلفة .
وقد جاء هذا البحث لتسليط الضّوء على هذه القضيّة، واخترت أن أسميه «التنوع في السّنّة»، ولم أسمه «اختلاف التّنوّع» -كما سمّاه كثير من العلماء- لأنّ التّنوّع يدلُّ على كون المأمور به وجهاً من وجوه السّنّة، معمولاً به في مذهب مقابل، بدليل أنّه لا يصحُّ الجمع بينهما في وقت واحد، فلا يصحُّ الجمع بين وجوه الذّكر المختلفة، ولا بين ألفاظ التّشهد المأثورة، ولا بين صلاتي خوف معاً، وهكذا.
وتزداد أهميّة بحث هذه القضيّة ولفتِ العناية إليها في هذا الوقت الّذي أسهمت فيه وسائل الاتّصال في تقارب البشريّة، فصارت كأنّـها مدينة واحدة، فتلاقحت الأفكار، وأضحى ما يقوله شخص في أيّ مكان على البسيطة يصل في لمح البصر إلى أنحاء المعمورة، فرُبَّ فتوى أو مقالة أو درس في مسجد يبلغ -بسرعة البرق- الآفاق، فيؤثر في المجتمع ويثير التّساؤلات، وقد يشوّش الفكر؛ بسبب أنّه ادُّعي أنّ السَّنّة والصّواب كذا وكذا دون غيره، وهذا متكرّر وملحوظ عند من يخرجون على شاشات التّلفاز والقنوات الفضائيّة.
وهذا البحثُ يُظهر أنّ السّنّة النّبويّة في أمور العبادات قد تنوّعت، وتعدّدت وجوهها؛ تيسيراً وتوسعة، وتخفيفاً على العباد، فيختار المكلَّف -بالضّوابط الشّرعيّة- ما يناسب حاله وفهمه ووقته.
وأسأل الله عز وجل أن يتقبّل هذا العمل ويبارك فيه وينفع به، إنّه جواد كريم.