مفهوم التسامح في الخطاب الديني والفكر الفلسفي الحديث (جون لوك أنموذجاً)
الخلاصة
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أما بعد:
لقد ضرب لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى في التسامح، وليس أدل على ذلك موقفه من أهل مكة يوم الفتح، فالتسامح قيمة أخلاقية، وهو أمر متفق عليه، وكل المجتمعات بحاجة إليه؛ لأنه ضرورة من الضرورات في الوقت الراهن، حتى المجتمعات التي لا دين ولا معتقد لها هي بحاجة إليه، وذلك لحماية مجتمعها من التعصب والإكراه، ويعد التسامح سمة إنسانية موجودة في عمق الحضارات البشرية على اختلاف أديانها السماوية والوضعية, كما إنه فضيلة إنسانية مقابلة لمفهوم التعصب, وبما أن البحث يدور حول مفهوم التسامح في الخطاب الديني والفكر الفلسفي الحديث، فإن هذا المفهوم هو قيمة إنسانية أقرتها الشريعة الإسلامية مُنْذ ألاف السنين ينادي بالمحبة والرحمة والإحسان للجميع والاحترام المتبادل لمعتقدات الآخرين، بينما في الخطاب الفلسفي هو وليد حركة الإصلاح الديني (الصراعات الدينية) الذي جاء كحل لإنهاء الصراع بين المذاهب المسيحية (الكاثوليك والبروتستانت) والذي استمر لفترة طويلة, شهد خلالها القرنين في أوروبا صراعاً دينياً دموياً عنيفاً يدعو إلى التطوير والتجديد من أجل القضاء على حالة التعصب , وكانت هذه الفترة بداية ظهور مفهوم التسامح و برزت العقول التي تمثلت في فلاسفة التنوير للقضاء على التعصب والتحرر والتخلص من سطوة رجال الكنيسة وخرافاتها, ويعد جون لوك من بين أهم فلاسفة التنوير الذي أحدثت أرائه حول مفهوم التسامح تغيراً كبيراً ، فكانت أساس للتحول الذي عرفه هذا المفهوم في الفكر الفلسفي الحديث من أجل إرساء مبدأ الاعتراف المتبادل وتقبل الآخر اي تسامح (الكاثوليك مع البروتستانت) وكما يجدر بنا في هذه الدراسة أن نوضح أثر التسامح ودوره في توجيه الناس وفق الخطاب الديني والإفادة من أفكار المفكرين و الفلاسفة التي حققت نوعاً من ترسيخ ثقافة التسامح و التعايش بين الجميع داخل المجتمع الواحد.