الظّفر واستيفاء الحقّ بالذّات في المذهب المالكـيّ
الخلاصة
نصب الله سبحانه وتعالى القضاءَ للفصل بين النّاس في الخصومات، وقطعِ التّشاجر، وإقامةِ العدل بين العباد؛ حتى لا يفتات الناس على بعضهم، ولتمكين من له الحقُّ من استيفاء حقّه. ولولا القضاء لاحتكم الناس بينهم لسلطان القوة، فيفشو الظلم، وتضيع الحقوق، وتتعطل الأحكام، وهذا مناف لمقاصد الشرع الحنيف من إقامة العدل.
وتكمن مشكلة البحث في معالجة ما يقوم بعض الظلمة المتجبرين بانتزاع مالٍ ثابت أو منقولٍ لأناس أضعف منهم حالا؛ فيعجز الضعيف عن استيفاء حقه بالقضاء، غير أن للشريعة الإسلامية نظريةً مُؤَصَّلَةً، تقدّم حلًّا شرعيا معتبراً، يتفق والنظرية العامة التي تحفظ كليات الشريعة، وتنبني فوقها كل مواد التشريع تحليلاً وتحريماً، وهي المحافظة على الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
وفي هذا السياق، فقد وقع ظلم كبير على كثير من الليبيين أيام حكم القذافي، حيث استلب بيوتهم، وغصب أملاكهم، وصادر أرزاقهم، وافتكّ سياراتهم وملَّكها لمن يقودها، تحت مقولات ظالمة فاجرة، من مثل قوله: البيت لساكنه، والأرض ليس ملكا لأحد، والسيارة لمن يقودها.
وترجع أهمية البحث إلى النقاط الآتية:
1. بيان أن الفصلَ في المنازعات والخصومات بين الناس هي مهمةُ القضاء، ولم يترك تنزيل الأحكام وتنفيذ العقوبة لعامة الناس، ولم يعط الحق في استيفائها إلا عن طريق القضاء، سواء أكانت تلك الحقوق خالصة لله، أم حقوقا مشتركة بين الخالق والعباد؛ فالأصل أن القضاء وحده من توكل إليه تنزيل الحدود والعقوبات، وفي ذلك حكمة عظيمة؛ إذ لو وُكِلَت للعباد لعاش الناس في خوف وظلم وافتيات، ولتعدى صاحب الحق في استيفاء حقه، ولتجاوز المظلوم مظلمته، ولأُخِذ الناسُ بالظنة، وعوقبوا بالتهمة، ولاستُبيحتْ أعراض الناس، وانتهبت أموالهم، وأزهقت أرواح بريئة.
2. التنبيه على ضرورة تفعيل القضاء ونزاهته، وألا يكون أداة في يد الظلمة والفاسدين.
3. التنبيه على أن الأصول التي تنزلت بها الشرائع لا تمنع من الظفر بالحقوق واستيفائها بالذات -مما انتزع من أيدي الناس عنوة وعدوانا- شرط ألا يؤدي ذلك لمفسدة تفوق النفع الذي يرتجى؛ ولذلك فإن لعلماء المالكية رأياً مهمًّا في جواز الظَّفَرَ واستيفاء الحق دون قضاء، إذا عُطِّلَ القضاء، أو صار أداة في يد الظلمة والفاسدين.