نشوز الزّوجين بين الدّيانة والقضاء من فقه الكتاب والسّنّة
الخلاصة
الحمد لله الّذي خلق فسوّى والّذي قدّر فهدى، والصّلاة والسّلام علىٰ نبيّنا محمّد، وعلىٰ آله وأصحابه ومن تبعهم إلىٰ يوم الدّين، أمّا بعد:
فإنّه لـمّا كان الشّقاق والخلاف ممّا عمّت به البلوى بين كثير من الأُسَر، ممّا كان سبباً في ارتفاع نسبة الطّلاق؛ كان من الواجب البحث عن أسباب ذلك. ولا ريب في أنّها أسباب متنوّعة، منها: الماديّة، والصحيّة، والاجتماعيّة، وأسباب ثقافيّة تتمثّل في معرفة الحقوق والواجبات، ومعرفةِ سبل علاج المشكلات، ممّا جعل بعض الزّوجات والأزواج يطالب بما ليس من حقّه، ولربّما بادر بطلب الفراق قبل أن يستبين له الحقّ؛ فأردتُ أن أسهم في إظهار حكمة الشّرع من خلال بيان أحكام النّشوز: أسبابه، وعلاجه، وما يتعلّق بذلك من سائر الأحكام.
وبدا لي أنّه من المهمّ بيان ذلك من ناحيتين: الدّيانة، والقضاء. فالمراد بالدّيانة: ما يَحتَسِبُه لله كلٌّ من الزّوجين تجاه الآخر، من قيامه بواجب، أو كفّه عن ضُرٍّ؛ لكونه من مَحْض التَّعبُّد. والمراد بالقضاء: ما يأمر به القاضي أو يقضي به، كإقامة الحَكَمَيْنِ، والتّأديب، والتّطليق، وسائر الأحكام الّتي تلزم بالقضاء دون الفتوى.
وذلك لأنّ شريعة الإسلام أحاطت الأسرة بسياج قويّ يتمثّل في الإلزام بالحقوق والواجبات -وهذا يظهر في جانب القضاء-، وآخرَ لطيفٍ يتمثل في الأمر بالإحسان ومكارم الأخلاق -وهذا يظهر في جانب الدّيانة-، ومن التزم ذلك من الزّوجين ضَمِنَ مغنمَيْنِ: في الدّنيا المودّةَ والسَّكن والإسهام في تربية جيل صالح، وفي الآخرة يجمع الله شملهم في الجنّة بصالح أعمالهم.
وأسأل الله عز وجل أن يتقبّل هذا العمل وينفعَ به، وأن يجعله سبباً في إصلاح الأسرة والمجتمع.
وصلّى الله علىٰ نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلىٰ يوم الدّين.