الخَطَأُ فِي الإعرَابِ لِسَهْوِ الرَّاوِي فِي مُشْكِلِ إعرَابِ الحَدِيثِ لِلعُكْبَرِيِّ
الخلاصة
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِين، والصَّلاةُ والسَّلامُ التَّامَّان الأكملان على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آل بيته وأصحابِه الغُرِّ الميامين.
وبعد،،، فلم يولِ معظمُ النَّحويين اهتمامًا بإعرابِ الحديث النَّبويِّ الشَّريفِ، اهتمامَهم بإعراب القرآن الكريمِ، وذلك لأسبابٍ كثيرةٍ منها اكتِفاؤهم بالمباحث والتَّوجيهات النَّحويَّة الَّتي وردت في كثير من شروح الحديث النَّبوي، فقد اعتنى كثيرٌ منها بالإعراب، واهتمَّ أصحابُها بذكر الوجوه المحتَملة في بعض المواضع التي تقتضي التَّنبيه عليها، وكذلك تعدُّد الرِّوايات في الحديث الواحد، والاختلاف حول قضيَّة الاستشهاد بالحديث النَّبويِّ في وضع قواعد العربيَّة.
ولكنَّ بعض النَّحويِّين لم تمنعْهم هذه الأسبابُ وغيرُها من تصنيف مؤلَّفاتٍ في إعراب الحديث الشَّريف، وفي مقدِّمتهم أبو البقاء العُكبَريُّ (616ه)، الَّذي يُعَدُّ أوَّلَ من أفرد مصنَّفًا في إعرابِ ما أشكل من ألفاظ الحديث النَّبوي، وإنْ كان الكتاب مختصرًا، لأنَّ غايته الأولى تعليميَّة، ثمَّ ألَّفَ عالمُ العربيَّة ابنُ مالكٍ (672ه) كتابه الَّذي سمَّاه (شواهد التَّوضيح والتَّصحيح لمشكلاتِ الجامع الصَّحيح)، ثمَّ ألَّف السيوطيُّ (911ه) كتابه: (عقود الزَّبرجد في إعراب الحديث النَّبوي).
وعند اطِّلاعي على بعض المسائل النَّحويَّة، والتَّوجيهات الَّتي احتملتْها بعضُ ألفاظٍ من الحديث النَّبوي في هذه المصنَّفات رأيتُ أنْ ألفِتَ النَّظر إليها، فهي لا تقِلُّ أهميَّةً عن كتب إعراب القرآن الكريم؛ حيث إنَّ بعضَ توجيهاتها أثبتت صحَّةَ الرِّواية التي شكَّ جَمْعٌ منَ النَّحويِّين في صحَّتها، وأثبت بعضُها احتمالَ سهوِ الرَّاوي.
وكان اختياري لنماذج من كتاب: (إعراب الحديث النَّبوي) لأبي البقاء العكبريِّ؛ لأنَّه – حسب علمي – أقدمُ ما صنِّفَ في هذا الفنِّ، فمن خلال قراءتي للكتاب وجدتُ العُكبَريَّ يصرِّحُ – أحيانًا – بتخطئة الرَّاوي، أو نسبته إلى السَّهو، إذا لم يجدْ وجهًا إعرابيًّا تُحملُ عليه الرِّواية، وأنَّه قد لا يصرِّحُ بذلك ويكتفي بالإشارة، فيقول مثلًا: (والصَّوابُ ...)، وفي بعض الأحيان يذكر توجيهات للرِّواية ينسب بعضها إلى الخطأ، وبعضَها إلى الضَّعف، ويصوِّب منها ما يراه صوابًا، وقد اهتمَّ هذا البحث بالرِّوايات التي حكم عليها أبو البقاء بالخطأ أو السَّهو، دون غيرها من الرِّوايات التي ذكر لها توجيهات صحَّ بعضها عنده، وقد انقسمت أحكامه على الرِّوايات التي خطَّأها إلى قسمين: قسم حكم فيه بتخطئة الرَّاوي تصريحًا أو تلميحًا، وهو حكم صحيح؛ لأنَّه لم يجد وجهًا نحويًّا تُحملُ عليه الرِّواية، وقسم حكم فيه بتخطئة الرَّاوي والظَّاهر أنَّ له وجهًا نحويًّا تُحملُ عليه الرِّواية، ولكنْ لم يهتدِ إليه أبو البقاء، أو رآه ضعيفًا فضرب عنه الذِّكر صفحًا؛ لذلك قسَّمتُ هذا البحث إلى مقدِّمةٍ ومطلبين: خصَّصتُ الأوَّل لنماذج من القسم الأوَّل، والثَّاني لنماذج من القسم الثَّاني، ثمَّ ذيَّلته بخاتمة، وفهرسٍ للمصادر والمراجع، ووسمتُ البحث بـعنوان: (الخطأُ في الإعراب لسهو الرَّاوي في إعراب الحديث النَّبويِّ، للعكبريِّ)، مستعينًا بالمنهج الوصفي والتَّحليلي في تناول مسائله، معتمدًا على كتاب: (إعراب الحديث النَّبوي) لأبي البقاء العكبريِّ، تحقيق عبد الإله أحمد نبهان، دار الفكر، دمشق، ط1/ 1409ه – 1989م.
سائلًا الله تعالى أنْ ينفع به أبناء العربية ومحبِّيها.