هل كان هناك فراعنة حقاً
الخلاصة
لا يمكن لأي باحث أن يتناول تاريخ مصر القديمة، إلا ويذكر أو يتوارد إلي ذهنه ذلك الاسم الشائع "فرعون" "والفراعنة"، ولو سأل سائل عن معنى هذه التسمية لقيل له على الفور ودون تردد، إن ذلك كان صفة أطلقت على كل ملوك مصر القديمة، وقد تجاوزت هذه الكلمة عند البعض حدود التسمية أو الصفة، وصارت لدى الكثيرين مقترنة بالظلم والعدوان والكفر والجبروت والقسوة، أو بمعنى آخر كل الصفات المذمومة، حتى أنها صارت صفة ذم لكل حاكم غير مرغوب فيه. ولكن أي باحث لم يتوقف لحظة ليسأل هل كان هناك فراعنة حقاً؟ وهل حمل كل ملوك مصر القديمة هذا الاسم ؟ وهل كانوا من الطغيان والجبروت بحيث يستحقون أن يوصفوا كلهم بهذه الصفة ؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه في هذا البحث.
لا يمكن لباحث أن يجزم بالوقت الذي اكتشف فيه الإنسان فكرة إطلاق اسم على نفسه وعلى الآخرين من بني جنسه، ولكننا نستطيع أن نخمَن أن ذلك وقع منذ آن صار الإنسان يعيش في جماعات تتواصل مع بعضها البعض باللغة، فأدرك الحاجة إلي تمييز من يخاطبهم برمز يكون علامة شخصية دالة على واحد أو أكثر من الأفراد دون غيرهم، ومن الطبيعي هنا أن نفترض أنه استعان بما يحيط به من مظاهر الطبيعة، التي قام بالتمييز بينها بإشارات لفظية تدل عليها، أو استخدم العلامات الفارقة بين شخص وآخر ثم أضاف إلى ذلك فيما بعد ما توصل إليه من رموز للمفاهيم والقيم المعنوية التي صار قادراً على إدراكها بحكم تطوره العقلي والحضاري. (هذا إذا ما استبعدنا طبعاً فكرة أن اللغة والأسماء كانت توقيفية، وجدت مع الإنسان منذ أن خلق، وهو ما يذهب إليه بعض المفكرين المسلمين( )، انطلاقاً من فهمهم للآيات القرآنية التي تتحدث عن خلق آدم عليه السلام، ومنها قوله تعالى ﴿ وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾( )، وتلك قضية أثارت خلافاً بين العلماء المسلمين، ولا مجال لطرحه هنا، ويمكن الرجوع إلى كتب التفسير المختلفة لمعرفة صور ذلك الخلاف.